سورة الكهف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله تعالى: {ويوم تُسَيَّر الجبال} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: {ويوم تُسَيَّر} بالتاء {الجبالُ} رفعاً. وقرأ نافع. وعاصم، وحمزة، والكسائي: {نُسَيِّرُ} بالنون {الجبالَ} نصباً. وقرأ ابن محيصن: {ويوم تَسِيْرُ} بفتح التاء وكسر السين وتسكين الياء {الجبالُ} بالرفع. قال الزجاج: {ويوم} منصوب على معنى: اذكر، ويجوز أن يكون منصوباً على: والباقيات الصالحات خير يومَ تَسِيرُ الجبال. قال ابن عباس: تُسيَّر الجبال عن وجه الأرض، كما يُسيَّر السحاب في الدنيا، ثم تكسّر فتكون في الأرض كما خرجت منها.
قوله تعالى: {وترى الأرض بارزة} وقرأ عمرو بن العاص، وابن السميفع، وأبو العالية: {وتُرى الأرضُ بارزةً} برفع التاء والضاد. وقرأ أبو رجاء العطاردي كذلك، إِلا أنه فتح ضاد {الأرضَ}.
وفي معنى {بارزة} قولان. أحدهما: ظاهرة فليس عليها شيء من جبل أو شجر أو بناءٍ، قاله الأكثرون.
والثاني: بارزاً أهلها من بطنها، قاله الفراء.
قوله تعالى: {وحشرناهم} يعني المؤمنين والكافرين {فلم نُغادِر} قال ابن قتيبة: أي: فلم نُخَلِّف، يقال: غادرتُ كذا: إِذا خلّفته، ومنه سمي الغَدِير، لأنه ماءٌ تُخَلِّفُه السيول. وروى أبان: {فلم تغادر} بالتاء.
قوله تعالى: {وعُرضوا على ربك صفاً} إِن قيل: هذا أمر مستقبل، فكيف عُبِّر عنه بالماضي؟ فالجواب: أن ما قد علم الله وقوعه، يجري مجرى المعايَن، كقوله: {ونادى أصحاب الجنة} [الأعرف: 43].
وفي معنى قوله: {صفاً} أربعة أقوال.
أحدها: أنه بمعنى: جميعاً، كقوله: {ثم ائتوا صفاً} [طه: 64]، قاله مقاتل.
والثاني: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك مصفوفين، هذا مذهب البَصريين.
والثالث: أن المعنى: وعُرضوا على ربِّك صفوفاً، فناب الواحد عن الجميع، كقوله: {ثم نُخْرِجُكم طفلاً} [الحج: 5].
والرابع: أنه لم يَغِبْ عن الله منهم أحد، فكانوا كالصف الذي تسهل الإِحاطة بجملته، ذكر هذه الأقوال ابن الأنباري. وقد قيل: إِن كلَّ أمة وزمرة صفٌّ.
قوله تعالى: {لقد جئتمونا}، فيه إِضمار فيقال لهم.
وفي المخاطبين بهذا قولان:
أحدهما: أنهم الكُلّ.
والثاني: الكُفار، فيكون اللفظ عامّاً، والمعنى خاصّاً. وقوله: {كما خلقناكم أول مَرَّة} مفسر في [الأنعام: 94]. وقوله: {بل زعمتم} خطاب الكفار خاصة، والمعنى: زعمتم في الدنيا {أن لن نجعل لكم موعداً} للبعث، والجزاء.
قوله تعالى: {ووُضع الكتاب} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الكتاب الذي سُطِر فيه ما تعمل الخلائق قبل وجودهم، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه الحساب، قاله ابن السائب.
والثالث: كتاب الأعمال، قاله مقاتل. وقال ابن جرير: وُضع كتاب أعمال العباد في أيديهم، فعلى هذا، الكتاب اسم جنس.
قوله تعالى: {فترى المجرمين} قال مجاهد: هم الكافرون. وذكر بعض أهل العلم أن كل مجرم ذُكر في القرآن، فالمراد به: الكافر.
قوله تعالى: {مشفقين} أي: خائفين {مما فيه} من الأعمال السيئة {ويقولون يا ويلتنا} هذا قول كل واقع في هَلَكة.
وقد شرحنا هذا المعنى في قوله: {يا حسرتنا} [الأنعام: 31].
قوله تعالى: {لا يُغادِر صغيرةً ولا كبيرة إِلا أحصاها} هذا على ظاهره في صغير الأمور وكبيرها؛ وقد روى عكرمة عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم، والكبيرة: القهقهة. وقد يُتوهَّم أن المراد بذلك صغائر الذنوب وكبائرها، وليس كذلك، إِذ ليس الضحك والتبسم، مجرَّدهما من الذنوب، وإِنما المراد أن التبسم من صغار الأفعال، والضحك فعل كبير، وقد روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الصغيرة: التبسم والاستهزاء بالمؤمنين، والكبيرة: القهقهة بذلك؛ فعلى هذا يكون ذنباً من الذنوب لمقصود فاعله، لا لنفسه. ومعنى {أحصاها}: عدَّها وأثبتها، والمعنى: وُجدتْ مُحصاةً. {ووجدوا ما عملوا حاضراً} أي: مكتوباً مُثْبَتاً في الكتاب، وقيل: رأوا جزاءه حاضراً. وقال أبو سليمان: الصحيح عند المحققين أن صغائر المؤمنين الذين وُعدوا العفو عنها إِذا اجتنبوا الكبائر، إِنما يعفى عنها في الآخرة بعد أن يراها صاحبها.
قوله تعالى: {ولا يظلم ربك أحداً} قال أبو سليمان: لا تنقص حسنات المؤمن، ولا يزاد في سيئات الكافر. وقيل: إِن كان للكافر فِعل خير، كعتق رقبة، وصدقة، خُفِّف عنه به من عذابه، وإِن ظلمه مسلم، أخذ الله من المسلم، فصار الحق لله.
ثم إِن الله تعالى أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يذكِّر هؤلاء المتكبِّرين عن مجالسة الفقراء قصةَ إِبليس وما أورثه الكِبْر، فقال: {وإِذ قلنا} أي: اذكر ذلك.
وفي قوله: {كان من الجن} قولان:
أحدهما: أنه من الجن حقيقة، لهذا النص؛ واحتج قائلو هذا بأن له ذريةً وليس للملائكة ذريةٌ وأنه كَفَرَ، والملائكة رسل الله، فهم معصومون من الكفر.
والثاني: أنه كان من الملائكة، وإِنما قيل: {من الجن}، لأنه كان من قَبِيلٍ من الملائكة يقال لهم: الجن، قاله ابن عباس؛ وقد شرحنا هذا في [البقرة: 34].
قوله تعالى: {ففسق عن أمر ربه} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: خرج عن طاعة ربه، تقول العرب: فسَقت الرُّطَبة من قشرها: إِذا خرجت منه، قاله الفراء، وابن قتيبة.
والثاني: أتاه الفسق لما أُمر فعصى، فكان سبب فسقه عن أمر ربه، قال الزجاج: وهذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو الحق عندنا.
والثالث: ففسق عن ردِّ أمر ربِّه، حكاه الزجاج عن قطرب.
قوله تعالى: {أفتتخذونه وذُرّيَّته أولياء من دوني} أي: توالونهم بالاستجابة لهم؟! قال الحسن، وقتادة: ذريته: أولاده، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. قال مجاهد: ذريته: الشياطين، ومن ذريته زَلَنْبُور صاحب راية إِبليس بكل سوق، وثبْر، وهو صاحب المصائب، والأعور صاحب الرياء، ومِسْوَط صاحب الأخبار يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس، فلا يوجد لها أصل، وداسم صاحب الإِنسان إِذا دخل بيته ولم يسلِّم ولم يذكر اسم الله، فهو يأكل معه إِذا أكل.
قال بعض أهل العلم: إِذا كانت خطيئة الإِنسان في كِبْر فلا تَرْجُه، وإِن كانت في شهوة فارجه، فإن معصية إِبليس كانت بالكِبْر، ومعصية آدم بالشهوة.
قوله تعالى: {بئس للظالمين بدلاً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: بئس الاتخاذ للظالمين بدلاً.
والثاني: بئس الشيطان.
والثالث: بئس الشيطان والذرِّيَّة، ذكرهنَّ ابن الأنباري.
قوله تعالى: {ما أشهدتُهم خَلْق السموات والأرضِ} وقرأ أبو جعفر، وشيبة: {ما أشهدناهم} بالنون والألف.
وفي المشار إِليهم أربعة أقوال.
أحدها: إِبليس وذريته.
والثاني: الملائكة.
والثالث: جميع الكفار.
والرابع: جميع الخلق؛ والمعنى: إِني لم أشاورهم في خلقهن؛ وفي هذا بيان للغَناء عن الأعوان، وإِظهار كمال القدرة.
قوله تعالى: {ولا خَلْقَ أنفسهم} أي: ما أشهدت بعضَهم خَلْقَ بعض، ولا استعنت ببعضهم على إِيجاد بعض.
قوله تعالى: {وما كنتُ مُتَّخذَ المضِلِّين} يعني: الشياطين {عَضُداً} أي: أنصاراً وأعواناً. والعَضُد يستعمل كثيراً في معنى العون، لأنه قِوام اليد، قال الزجاج: والاعتضاد: التقوِّي وطلب المعونة، يقال: اعتضدت بفلان، أي: استعنت به.
وفي ما نفى اتخاذهم عضداً فيه قولان:
أحدهما: أنه الولايات، والمعنى: ما كنت لأولي المضلِّين، قاله مجاهد.
والثاني: أنه خَلْق السموات والأرض، قاله مقاتل. وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو جعفر: {وما كنتَ} بفتح التاء.


قوله تعالى: {ويوم يقول} وقرأ حمزة: {نقول} بالنون، يعني: يوم القيامة {نادوا شركائيَ} أضاف الشركاء إِليه على زعمهم، والمراد: نادوهم لدفع العذاب عنكم، أو الشفاعة لكم، {الذين زعمتم} أي: زعمتموهم شركاء {فَدَعَوْهم فلم يستجيبوا لهم} أي: لم يجيبوهم، {وجعلنا بينهم} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم المشركون والشركاء.
والثاني: أهل الهدى وأهل الضلالة.
وفي معنى {مَوْبقاً} ستة أقوال.
أحدها: مَهْلِكاً، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقال ابن قتيبة: مَهْلِكاً بينهم وبين آلهتهم في جهنم، ومنه يقال: أَوبَقتْه ذنوبُه، أي: أهلكتْه. قال الزجاج: المعنى: جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم، أي: يهلكهم، فالمَوْبق: المهلك، يقال: وَبِق، يَيْبَقُ، ويابَق، وبَقاً، ووَبَق، يَبِق، وُبُوقاً، فهو وابق؛ وقال الفراء: جعلنا تواصُلهم في الدنيا مَوْبِقاً، أي: مَهْلِكاً لهم في الآخرة، فالبَيْن، على هذا القول، بمعنى التواصل، كقوله تعالى: {لقد تَقَطَّع بينُكم} [الأنعام: 94] على قراءة من ضمن النون.
والثاني: أن المَوْبِق: وادٍ عميق يُفرَّق به بين أهل الضلالة وأهل الهدى، قاله عبد الله بن عمرو.
والثالث: أنه وادٍ في جهنم، قاله أنس بن مالك، ومجاهد.
والرابع: أن معنى المَوْبِق: العدواة، قاله الحسن.
والخامس: أنه المَحْبِس، قاله الربيع بن أنس.
والسادس: أنه المَوْعِد، قاله أبو عبيدة.
قال ابن الأنباري: إِن قيل: لم قال: {مَوْبِقاً} ولم يقل: {مُوبِقاً}، بضم الميم، إِذ كان معناه عذاباً مُوبقاً؟
فالجواب: أنه اسم موضوع لمَحْبِس في النار، والأسماء لا تؤخذ بالقياس، فيُعلم أن {مَوْبِقاً}: مَفْعِل، من أوبقه الله: إِذا أهلكه، فتنفتح الميم، كما تنفتح في مَوْعِد ومَوْلِد ومَحْتِد إِذا سمّيت الشخوص بهنَّ.
قوله تعالى: {ورأى المجرمون النار} أي: عاينوها وهي تتغيَّظ حنقاً عليهم. والمراد بالمجرمين: الكفار. {فَظَنُّوا} أي: أيقنوا {أنهم مُواقِعُوها} أي: داخلوها. ومعنى المواقعة: ملابسة الشيء بشدَّة {ولم يجدوا عنها مَصْرِفا} أي: مَعْدِلاً؛ والمَصْرِف: الموضع الذي يُصْرَف إِليه، وذلك أنها أحاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهَرَب.


قوله تعالى: {ولقد صَرَّفْنا في هذا القرآن} قد فسرناه في [بني إِسرائيل: 41].
قوله تعالى: {وكان الإِنسان أكثر شيء جدلاً} فيمن نزلت قولان:
أحدهما: أنه النَّضْر بن الحارث، وكان جِداله في القرآن، قاله ابن عباس.
والثاني: أُبيّ بن خلف، وكان جِداله في البعث حين أتى بعظم قد رَمَّ، فقال: أيقدر الله على إِعادة هذا؟! قاله ابن السائب. قال الزجاج: كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل، والإِنسان أكثر هذه الأشياء جدلاً.
قوله تعالى: {وما منع الناسَ أن يؤمنوا} قال المفسرون: يعني: أهل مكة {إِذ جاءهم الهدى} وهو: محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن، والإِسلام {إِلا أن تأتيَهم سُنَّةُ الأوَّلِين} وهو: أنهم إِذا لم يؤمنوا عذِّبوا.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال.
أحدها: ما منعهم من الإيمان إِلا طلب أن تأتيهم سُنَّة الأولين، قاله الزجاج.
والثاني: وما منع الشيطانُ الناس أن يؤمنوا إِلا لأَن تأتيهم سُنَّة الأولين، أي: منعهم رُشْدَهُم لكي يقع العذاب بهم، ذكره ابن الأنباري.
والثالث: ما منعهم إِلا أنِّي قد قدَّرت عليهم العذاب. وهذه الآية فيمن قُتل ببدر وأُحُد من المشركين، قاله الواحدي.
قوله تعالى: {أو يأتيَهم العذاب} ذكر ابن الأنباري في {أو} هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بمعنى الواو.
والثاني: أنها لوقوع أحد الشيئين، إِذ لا فائدة في بيانه.
والثالث أنها دخلت للتبعيض، أي: أن بعضهم يقع به هذا، وهذه الأقوال الثلاثة قد أسلفنا بيانها في قوله عز وجل: {أو كصيِّب من السماء} [البقرة: 19].
قوله تعالى: {قُبُلاً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {قِبَلاً} بكسر القاف وفتح الباء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {قُبُلاً} بضم القاف والباء. وقد بيَّنّا عِلَّة القراءتين في [الأنعام: 111]. وقرأ أُبيّ ابن كعب، وابن مسْعود: {قَبِيلاً} بوزن فَعِيل. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو المتوكل {قَبَلاً} بفتح القاف من غير ياء، قال ابن قتيبة: أراد استئنافاً.
فإن قيل: إِذا كان المراد بسُنَّة الأولين العذاب، فما فائدة التكرار بقوله: {أو يأتيَهم العذاب}؟
فالجواب: أن سُنَّة الأولين أفادت عذاباً مبهماً يمكن أن يتراخى وقته، وتختلف أنواعه، وإِتيان العذاب قُبُلاً أفاد القتل يوم بدر. قال مقاتل: {سُنَّة الأولين}: عذاب الأمم السالفة؛ {أو يأتيَهم العذاب قِبَلاً}، أي: عِياناً قتلاً بالسيف يوم بدر.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10